لما كان كل نسق عقائدي- دينياً كان أو أيديولوجياً- اعتاد أن يقدم نفسه إلى أتباعه بوصفه النسخة الأرشد والأكثر مثالية، فقد جرت العادة أن تظهر بداخله مجموعة من النماذج المكتملة، التي يتبعها أهل كل معتقد في محاولتهم للوصول للصورة النموذجية لليوتوبيا الأرضية الموعودة.
في الحالة الإسلامية تحديداً، نستطيع أن نميز ظهور نسقين مذهبيين متمايزين ظهرا في توقيتات متقاربة منذ فترة مبكرة من عمر الحضارة العربية الإسلامية، وهما النسق السني والنسق الشيعي الإمامي على الترتيب.
كل من النسقين، امتلك سرديته الروائية الخاصة التي استقت أصولها الأولى من أحداث ومجريات التاريخ الإسلامي، ولكنها سرعان ما انتهجت لنفسها نهجاً مختلفاً بعد فترة، لنجدها- وبسبب ما تمتعت به من قدر هائل من الحيوية والمرونة- تضخمت وتعاظمت شيئاً فشيئاً حتى صارت سردية كاملة ومكتملة، لها رموزها المبجلة وقيمها الراسخة ومبادئها الأصيلة التي تختلف كل الاختلاف عن السرديات الموازية لها.
في كل من النسقين، ظهرت الحاجة المُلحة لترسيم بعض الرموز من شخصيات الإسلام المبكر، لينالوا الحظوة والمكانة في هيكل البناء العقائدي لكل نسق، ليس فقط لأهمية تلك الشخصيات في التاريخ المرتبط بتأسيس وتطور المذهب، بل وأيضاً للدور العظيم الذي لعبته تلك الشخصيات في المُتخيل الجمعي السني أو الشيعي.
وعلى الرغم من كون الثقافة الإسلامية المبكرة، هي ثقافة ذكورية أبوية بطريركية بالمقام الأول، فإن المرأة قد استطاعت أن توجد لنفسها موطأ قدم في تلك السرديات المُتخيلة، وذلك من خلال إسهامها الأصيل في نشر الدين/ المذهب من جهة، أو لعلاقتها الوثيقة بالآباء المؤسسين للمذهب من جهة أخرى.
من المهم هنا أن نشير إلى أن اختيار الرموز النسائية في كل مذهب، قد وقع بناء على محددات وضوابط المذهب نفسه، ففي الحالة السنية، وهي التي أولت أهمية كبرى للصحابة وركزت على مسألة عدالتهم المطلقة، ظهرت الرموز النسائية بشكل عام في الصحابيات اللاتي تحملن الأذى في بدايات الدعوة الإسلامية كسمية زوجة ياسر، وهي أول شهيدة في الإسلام، كما ظهرت الرمزية النسوية في أمهات المؤمنين، وهو اللقب الذي اختصت به زوجات الرسول على وجه التحديد دوناً عن باقي المسلمات.
على الجهة الأخرى، رفعت السردية الشيعية من مكانة الشخصيات النسائية ذات الروابط البيولوجية مع رموزها المقدمة، وهو الأمر الذي يتسق مع المنزلة المهمة لآل البيت في المذهب الشيعي الإمامي. فعلى سبيل المثال، قدمت السردية الشيعية صوراً نموذجية لآمنة بنت وهب أم الرسول، وفاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب بن عبدالمطلب، وأم هانئ أخت الإمام علي.
من هنا، يمكن القول إن الصورة النموذجية للمرأة في المُتخيل المذهبي، قد تباينت واختلفت، فإذا كانت المصاهرة والعلاقة بالصحابة، هي المحدد الأهم عند السنة، فإن النسب والعلاقة بآل البيت كان الضابط الأكثر اعتباراً عند الشيعة، وهو الأمر الذي سيتضح من خلال مقارنة التناول السردي- السني والشيعي- للامرأتين الأكثر قداسة وتبجيلاً في النسقين، وهما على الترتيب، عائشة بنت أبي بكر، وفاطمة الزهراء بنت الرسول.
من بين جميع أزواج الرسول، حظيت السيدة عائشة بنت أبي بكر بمكانة متفردة في النسق الروائي السني، إذ جرى التأكيد على تفوقها العلمي من جهة، وعلى قربها من قلب الرسول من جهة أخرى، هذا إضافة إلى مشاركتها الفعالة والمؤثرة على مسرح الأحداث السياسية، كل هذا تسبب في تقديمها على كونها النموذج الأكثر اكتمالاً واعتباراً للمرأة في المُتخيل الإسلامي السني.
يمكن القول إن: ملامح السيرة المُتخيلة– المتماهية مع الأحداث التاريخية- لعائشة برزت في مجموعة من المدونات الشهيرة عند أهل السنة والجماعة، ومن أبرزها ما قدمه كل من محمد بن سعد المتوفى 230ه في كتابه «الطبقات الكبرى»، ومحمد بن إسماعيل البخاري المتوفى 256ه في صحيحه، وشمس الدين الذهبي المتوفى 748ه في كتابه «سيّر أعلام النبلاء».
تتضح معالم الإطار العام الذي يرسم عائشة نموذجاً معتبراً للمرأة المسلمة، في الرواية الشهيرة التي وردت على لسان عائشة نفسها، والتي تتباهى فيها على جميع النساء، فتقول: «لقد أُعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران، لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري، ولقد قُبض ورأسه في حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد خفت الملائكة ببيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني لمعه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة عند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً». من خلال تلك الصفات التسع –التي احتفى بها المِخيال السني عبر العصور- جرى تقديم عائشة على أنها أفضل النساء، وسرعان ما تم تأييد مقالة أم المؤمنين بأحاديث وآثار تتفق في المضمون والمعنى.
على سبيل المثال، ذكر البخاري في صحيحه قول الرسول، «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». وتم التأكيد على مسألة الاختيار الإلهي لعائشة لتكون زوجاً للرسول، إذ يذكر البخاري قصة الرؤيا التي وقعت للنبي في مكة، والتي أخبر عائشة بتفاصيلها بعد الزواج، فقال بها: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ وَيَقُولُ– أي الهاتف في المنام- هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَاكْشِفْ عَنْهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ».
هذا البُعد الغيبي لحب الرسول لعائشة يظل المفتاح الأهم لفهم سيرتها المُتخيلة في النسق السني، إذ كان هذا البعد غير المرئي هو سبب كل تفضيل وتمييز عن أيٍّ من زوجات الرسول الأخريات، وفي ذلك المعنى ذكر الذهبي صراحةً أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين، كان بموجب أمر إلهي.
هذا الحب يأخذ الصيغة المذهبية الواضحة في بعض الأحيان، ففي الحديث المروي من طريق عمرو بن العاص– وهو الصحابي المُبجل في المذهب السني- من أن الرسول لمّا سُئل أي الناس أحب إليك قال عائشة، فلما سئل من أحب الناس إليه من الرجال قال أبوها، وهو ما يعني أن ثنائية عائشة/ أبي بكر ستُرسم كثنائية سنية في مقابل الثنائية الشيعية فاطمة/ علي التي ستظهر في السردية الشيعية بالتوازي.
ترسيخ التناول المذهبي لشخصية عائشة، حضر بشكل أقل ظهوراً من خلال إثبات تفوقها على أم سلمة، وهي أهم زوجات الرسول اللاتي توفي عنهن، بحسب المتُخيل الشيعي الإمامي. يتضح ذلك من خلال الرواية الشهيرة التي ينقلها البخاري على لسان أم سلمة نفسها، التي جاء فيها، «كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي، صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليّ ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها».
الرواية التي تبدو وكأنها إقرار من أم سلمة بأفضلية عائشة، لم تفسر ما علاقة العدل بين أمهات المؤمنين وبعضهن البعض من جهة، ونزول الوحي على الرسول في بيت السيدة عائشة من جهة أخرى، ولكنها– أي الرواية- قد أشارت إلى إقرار أم سلمة وباقي الزوجات بالأمر الواقع، واعترافهن لعائشة بالسيادة وأنها الأكثر قرباً إلى النبي.
في سياق متصل، عملت الروايات السنية على الإشادة بعلم عائشة الغزير، الذي تمثل في شقه الديني في روايتها للحديث، فمن المعروف أن السيدة عائشة قد روت 2210 أحاديث عن الرسول، وهي رابع أكثر الصحابة رواية عنه بعد كل من أبي هريرة وعبدالله بن عمر وأنس بن مالك. ومن هنا فلم يكن من الغريب أن تشيع مقولة «خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء»، والحميراء هي بيضاء البشرة بحسب ما يذكر ابن منظور المتوفى 711ه في كتابه «لسان العرب»، في الثقافة السنية، واُستخدمت هذه المقولة في سبيل إثبات ألمعية عائشة وكونها مصدراً مهماً من مصادر الحصول على العلم النبوي، وذلك رغم ضعف هذا الحديث ونكارته عند كبار علماء أهل الحديث في المعسكر السني.
ما ينبغي الإشارة إليه هنا، أن الرؤية السنية لعلم عائشة، لا تقصره على الحديث النبوي فحسب، بل تعظمه ليصل لمجموعة من الميادين التي عرفها العرب في سنوات حضاراتهم المبكرة، فعلى سبيل المثال، يذكر الحاكم النيسابوري المتوفى 405ه في كتابه «المُستدرك على الصحيحين»، ناقلاً عن عروة بن الزبير– وهو ابن أخت السيدة عائشة- سؤاله لخالته «يا أماه لا أعجب من فهمك، أقول زوجة رسول الله وبنت أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو، ومن أين هو؟ قال: فضربت على منكبه وقالت: أي عرية: إن رسول الله كان يسقم في آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات وكنت أعالجها له فمن ثم».
وهكذا تم تقديم السيدة عائشة على كونها النموذج الأكمل للمرأة في المُتخيل السني، فهي زوجة الرسول التي تزوجها بأمر الله، وهي الأثيرة عنده، وهي ابنة أحب أصحابه إليه، كما نُقل عنها شطراً معتبراً من الحديث النبوي، وكانت مرجعاً للفُتيا وتتلمذ على يديها كبار التابعين.
ظهرت ملامح الرؤية المُتخيلة لفاطمة الزهراء في السردية الشيعية، في عديد من المصادر ومن أهمها كل من «الخرائج والجرائح» لقطب الدين الراوندي المتوفى 573ه، و«مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب المازندراني المتوفى 588ه، و«بحار الأنوار» لمحمد باقر المجلسي المتوفى 1111ه.
المصادر الشيعية حرصت منذ البداية على القول بالأصل الإعجازي والإلهي لفاطمة، فقد «خُلق نور فاطمة قبل أن تُخلق الأرض والسماء»، وينقل المجلسي عن الرسول في رواية أخرى «لما خلق الله الجنة خلقها من نور وجهه ثم أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، وأصاب فاطمة ثلث النور، وأصاب علياً وأهل بيته ثلث النور...». وهي في رواية ثالثة مشهورة عن الرسول «فاطمة حوراء إنسية... خلقها الله، عز وجل، من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله، عز وجل، آدم عرضت على آدم... كانت في حقة تحت ساق العرش... فلما خلق الله، عز وجل، آدم وأخرجني من صلبه وأحب الله، عز وجل، أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرئيل فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد إن ربك يقرئك السلام قلت: منه السلام وإليه يعود السلام قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله، عز وجل، إليك من الجنة فأخذتها». بحسب تلك الرواية، كانت فاطمة في مكنون التفاحة التي أكلها الرسول في الجنة، فلما رجع إلى مكة انتقلت إلى صلبه، وانتقلت إلى زوجه الأولى خديجة بنت خويلد لتحمل بها على عادة النساء.
السيرة الإعجازية لفاطمة تظهر في تفاصيل حمل أمها بها، إذ يذكر المجلسي أن السيدة خديجة زوجة الرسول كانت قد تعرضت لهجران قومها لما تزوجت من الرسول، «فلما حملت بفاطمة، عليها السلام، كانت فاطمة تحدثها من بطنها، وتصبرها»، ولما ولدت فاطمة، ولدت مُطهرة فلم تعلق بها دماء النفاس، كما أن 10 حوريات من الجنة قد أتين لغسلها واستقبالها، وما كادت المولودة المباركة تنزل من بطن أمها إلى الأرض حتى سجدت وقرأت الشهادتين. وتؤكد المصادر الشيعية أن فاطمة كانت تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، وتنمو في الشهر كما ينمو في السنة.
كل تلك التهيئة الإعجازية لخلق وولادة فاطمة، تصب في النهاية في صالح ربطها بالبعد المذهبي السياسي للتشيع الإمامي الاثني عشري، الذي يركز على حق الأئمة المنحدرين من صلب علي بن أبي طالب بالخلافة والإمامة، ويظهر هذا في قول الرسول لخديجة: «يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني بأنها أنثى، وأنها النسل الطاهرة الميمونة وأن الله سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمة، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه». كما يظهر ذلك الربط السياسي في حديث الكساء الشهير، الذي احتضن فيه الرسول فاطمة وزوجها وابنيها -الحسن والحسين- ودعا الله لهم، قائلاً، «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامتي لحمهم لحمي، ودمهم دمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويحزنني ما يحزنهم، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، وعدو لمن عاداهم، ومحب لمن أحبهم، إنهم مني وأنا منهم، فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليَّ وعليهم واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، وذلك بحسب ما يذكر عباس القمي في كتابه «مفاتيح الجنان».
وإذا كان زواج الرسول من عائشة قد قُدم في المصادر السنية على كونه حدثاً ذا بعد إلهي أو غيبي، فإن المصادر الشيعية قد انتهجت النهج نفسه في ما يخص زواج فاطمة من علي بن أبي طالب، فأكدت أن النبي قد رفض تزويجها من أقرب أصحابه أبي بكر وعمر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف– وجميعهم من معسكر الصحابة الذين ناصبوا آل البيت العداء بحسب الاعتقاد الشيعي الإمامي- واستبقاها لابن عمه علي بن أبي طالب. وقد شاعت في المرويات الشيعية مجموعة من الروايات ذات الصيغة الغيبية عن هذا الزواج.
منها أن جبريل جاء للرسول قُبيل الزواج، وقال له، «إن الله قد زوجهما في السماء من قبل أن يزوجهما في الأرض»، وذلك بحسب ما يذكر بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي المتوفى 692ه في كتابه «كشفُ الغُمَّة في مَعرِفَةِ الأئمّة»، كما ذكر ابن شهر آشوب صراحةً قول النبي، «إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي»، واستكمالاً للسياق الغيبي فإن الرواية الشهيرة تذكر أن علياً لم يكن يملك مهر فاطمة، فباع درعه لرجل وقبض منه 400 درهم، فإذا هذا الرجل هو جبريل نفسه، وهكذا يبدو أن مهر فاطمة قد أتى من السماء رأساً.
من جهة أخرى، وفي سياق رسم الصورة الملائكية لفاطمة، اهتمت السردية الشيعية بتحريرها من أغلال الطبيعة الأنثوية التي قد تحمل بعض الضعف أو المرض، فنجد الشيخ محمد باقر الكجوري في كتابه «الخصائص الفاطمية»، يفسر تسميتها بالطاهرة بقوله، «إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد الطاهرة لطهارتها من كل دنس، وطهارتها من كل رفث، وما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً». ومن باب وضع الروايات المناقبية على لسان المنافسين الأساسيين في الأنساق الموازية، ورد في كتاب «أخبار الدول وآثار الملل» لأحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بالقرماني عن عائشة بنت أبي بكر قولها، «كنّا نخيط ونغزل وننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة… إنها كانت كالقمر ليلة البدر».
ومتابعةً للتصور الاعجازي الذي قدمته السردية الشيعية الإمامية للسيدة فاطمة الزهراء، فإن عديداً من الروايات عن أئمة آل البيت قد أقرت بأن جبرئيل كان يأتي لبيت فاطمة بعد وفاة أبيها «فيطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ويخبرها بما يكون بعده في ذريتها، وكان علي، عليه السلام، يكتب ذلك»، وقد عُرفت واشتُهرت تلك الأخبار في الثقافة الشيعية باسم مصحف فاطمة.
وربما كان خير ما نختم به الكلام عن فاطمة، ما أورده المجلسي في «البحار» نقلاً عن الرسول، «فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنّها لتقوم في محرابها فيسلم عليها 70 ألف ملك من المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين»، وهي المقولة التي تعبر عن المكانة العظمى التي احتلتها بنت الرسول نموذجاً للمرأة الكاملة في المُتخيل الشيعي.